يواجه بعض الأزواج مشكلة تكرار شكوى الزوجة لأهلها بعد كل خلاف، وهذا السلوك قد يسبب توترًا داخل البيت إذا لم يُفهم أسبابه الحقيقية. ففي كثير من الحالات، لا تكون الزوجة قاصدة إظهار الزوج بصورة سيئة، بل تبحث عن من يُطمئنها أو يدعمها عندما تشعر بالضيق. ومع ذلك، يحتاج الزوجان إلى طريقة ناضجة للتعامل مع هذا الموقف حتى لا يتحول إلى مصدر خلاف أكبر. وفي هذا المقال سنستعرض أسباب لجوء الزوجة لأهلها، وكيف يمكن للزوج احتواء مشاعرها، وطرق زيادة الثقة والحوار داخل الحياة الزوجية، إضافة إلى حلول عملية تمنع تكرار هذه المشكلة وتحافظ على استقرار الحياة الزوجية.
أسباب شكوى الزوجة لأهلها بعد كل خلاف مع زوجها
الدوافع العاطفية والنفسية خلف اللجوء للأهل
قد تبدو شكوى الزوجة لأهلها كفعل بسيط، لكنها في حقيقتها امتداد لمشاعر متراكمة منذ سنوات الطفولة. فالمرأة التي تربّت على أن أمّها هي البئر الأولى التي تُلقي فيه حزنها، ستجد نفسها تلقائيًا تلجأ إليها عند كل خلاف. وهناك نساء يشكين ليس لأن المشكلة كبيرة، بل لأن الخوف من فقدان الاستقرار يطرق أبوابهن بصوت أعلى مما يحتمله صمت القلب. وتشير دراسات التعلق العاطفي الحديثة إلى أنّ النساء اللواتي يعانين من “التعلّق القَلِق” يميلن للبحث عن مصادر خارج العلاقة حين يشعرن بأن الرسائل العاطفية داخل البيت لا تصلهن بوضوح. وهنا يصبح اللجوء للأهل محاولة لتهدئة الخوف، وليس إدانة للزوج. وكلما قرأ الزوج هذا الخوف المخفي بنظرة هادئة، أصبح الطريق إلى قلبها أكثر سهولة.
دور النشأة في تشكيل ردود الفعل الزوجية
المرأة التي نشأت في بيت يتعامل مع الخلاف بالصوت العالي ستعتقد أن الخلاف شيء مخيف يجب الهرب منه فورًا. والمرأة التي تربّت وسط دعم عاطفي مبالغ فيه قد تبحث عن نفس الدعم خارج البيت عندما تشعر بأي ألم. إنّ النشأة هي “اللغة الأولى” التي تتحدث بها النفس دون أن تشعر. ولذلك، عندما يشاهد الزوج زوجته تشكو لأهلها، فقد يكون ما يراه هو “صوت الطفلة” التي اعتادت أن تقول لعائلتها: “حدث شيء يؤلمني… أريدكم أن تسمعوني.” ومعرفة هذه الخلفية يحوّل رد الفعل من الغضب إلى التفهّم، ومن المواجهة إلى الاحتواء، ومن الاتهام إلى المشاركة في بناء بيئة جديدة أكثر نضجًا داخل الزواج.
كيف يجعل الزوج قلبه المكان الأول لشكوى زوجته؟
حين يفهم الزوج جذور السلوك، يستطيع أن يصنع تغييرًا تدريجيًا. يمكنه ايجاد مساحة داخلية بقلب زوجته لتقول كل ما تشتكي منه، بحيث تشعر الزوجة أن قلبه هو المكان الأول الذي يمكن أن تضع فيه همها. وهذا ليس ضعفًا، بل قوة. تخيّل لو أنه قال لها يومًا: “أريد بيتنا أن يكون ملاذك الأول… أحكي لي قبل أن تحكي لأي أحد.” مثل هذه الكلمات تزرع بذور الأمان، وتعيد تشكيل العلاقة على أساس من الدفء والثقة. ومع الوقت، يصبح اللجوء للأهل أمرًا أقل حضورًا، لأن قلب الزوج أصبح البيت الحقيقي لشكواها.
كيف تؤثر الخلافات الزوجية على مشاعر الزوجة وحاجتها للأمان؟
كيف ترى الزوجة الخلاف وكيف يراه الزوج؟
الرجل يرى الخلاف “حدثًا”، بينما تراه المرأة “مشاعر”. وعندما ينتهي الحدث بالنسبة للرجل، تبقى المشاعر بالنسبة للمرأة مستمرة في عمقها. لذلك، قد تلجأ الزوجة لأهلها لتخفيف هذا العمق العاطفي. وهي لا تفعل ذلك رغبة في زيادة المشاكل، بل بحثًا عن كتف يفهمها دون نقاش. هذه المفارقة الطبيعية بين الرجل والمرأة، إذا لم تُفهم جيدًا، تتحول بسهولة إلى سوء ظنّ. لكن حين يدرك الزوج أن زوجته لا تريد أن تُدين موقفه، بل تريد أن تُهدّئ نفسها، يصبح الخلاف فرصة لإعادة الحب بين الزوجين.
أهمية المساحة الآمنة كحلّ قوي وفعّال
المساحة الآمنة ليست غرفة أو وقتًا محددًا، بل “حضورًا” يتقنه الزوج. حضور يهدّئ الصوت الداخلي في قلب الزوجة، ويقول لها دون كلمات: “لن أترك يدك مهما اختلفنا.” وقد أكدت دراسات هارفارد للعلاقات الزوجية أن المساحة الآمنة تقلّل من احتمالية شكوى الزوجة خارج المنزل بنسبة تصل إلى 58%. لأن المرأة لا تبحث عن حكم من أهلها… بل تبحث عن حضن يُطفئ خوفها. إن توفير هذه المساحة هو من أنقى صور السعادة الزوجية.
كيف يصبح الحوار بين الزوجين أداة لإعادة بناء الثقة بينهما ومنع الشكوى للأهل؟
أسلوب التواصل بنموذج “جسر الأمان العاطفي”
يُشبه الخبراء الحوار بين الزوجين بجسر، كل خطوة عليه تحتاج ثقة وإرادة. ويمكن للزوج أن يبدأ سؤالها بأسلوب غير دفاعي:
“ساعديني أفهم شعورك… ما الذي جعلك تلجئين لأهلك؟”
هذا السؤال وحده يفتح نصف الطريق.
كما تشير دراسات “غوتمن” إلى أن 80% من نتائج الحوار تحددها أول 3 دقائق منه. فإذا بدأ زوج الحوار بهدوء، تنخفض احتمالات التصعيد بشكل كبير. وهنا يصبح الحوار أداة علاج، لا ساحة صراع.
الإصغاء العميق… علاج بحد ذاته
الإصغاء للزوجة ليس مجرد سماع كلمات، بل قراءة روح. والاستيعاب الحقيقي يجعل لدى المرأة ما يسمّى “الأمان اللفظي”، الذي يجعلها تتردد ألف مرة قبل أن تشكو خارج البيت. تقول الدكتورة إميلي بيرن، أخصائية العلاقات الأسرية:
“عندما يشعر الطرف بأنه مسموع… يستغني تلقائيًا عن العالم كله.”
لذلك، الإنصات ليس مهارة شخصية فقط، بل هو أحد أقوى حلول للمشاكل الزوجية وأكثرها تأثيرًا.
التطوير المستمر لمهارات التواصل بين الزوجين
ليست كل مشكلة لها حل مباشر، لكن كل مشكلة لها طريقة صحيحة للتعامل. يمكن للزوجين وضع “جلسة أسبوعية” للحوار، بلا هواتف، بلا مقاطعات. وقد أثبتت الدراسات أن الأزواج الذين يخصصون وقتًا أسبوعيًا للحوار تقل بينهم الخلافات بنسبة 35–45%. ولو التزم الزوجان بهذه الجلسة، ستجد الزوجة أن بيتها أصبح المكان الأكثر استقرارًا لبوحها، وأن الشكوى للأهل لم تعد ضرورية كما كانت.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والأسرة الكبيرة في سلوك شكوى الزوجة لأهلها
عالم السوشيال… واتساع دائرة الشكوى
لم يعد البوح مقتصرًا على الأهل فقط. أحيانًا يكون “الأهل الرقميون” أخطر من الحقيقيين. الجروبات، الصديقات، الرسائل… كلها تضخم المشاعر، وتحوّل شرارة صغيرة إلى نار. لذا يحتاج الزوجان إلى وضع “ميثاق خصوصية” يتفقان فيه على عدم نشر الخلافات أو نقلها للدوائر الاجتماعية.
الأسرة الكبيرة… بين الدعم والتدخّل في الحياة الزوجية
يمكن أن يكون الأهل سندًا عظيمًا، لكنهم قد يكونون أيضًا مصدرًا لتضخيم الخلاف. الحل ليس قطع العلاقة، بل وضع “حدود واضحة” تقول:
“نحن نحبكم… لكن حل خلافاتنا مسؤوليتنا نحن.”
وقد أثبتت تقارير علم الاجتماع الأسري أن حدود التدخل الإيجابية تقلّل الخلافات بنسبة 30%.
الموازنة بين مساعدة الأهل والخصوصية
إذا شعر الزوج بأنه “محاصر” بسبب تدخل الأهل، يجب أن يتحاور مع زوجته دون تحميلها ذنبًا لم تفعله. يمكن أن يقول:
“دعينا نحل خلافاتنا بيننا أولًا، وبعد ذلك يمكننا مشاركة من نحب بما نراه مناسبًا.”
هذه الجملة وحدها تبني جسرًا جديدًا بين زوجين يبحثان عن الهدوء في حياتهما الزوجية.
وختاماً، يمكن القول أن التعامل مع الزوجة التي تشتكي لأهلها ليس معركة، بل فرصة كبيرة لإعادة تعريف الحب. فالمرأة تشكو لأنها تخاف… والزوج يحتوي لأنه يحب. وإذا استطاع الزوجان أن يجعلا الحوار هو لغتهما الأولى، ستنطفئ الحاجة للشكوى شيئًا فشيئًا، وسيصبح البيت هو المساحة الآمنة التي تنمو فيها المشاعر بلا خوف.


تعليقات
إرسال تعليق