القائمة الرئيسية

الصفحات

كيف تتعامل مع الطفل الذي يقلد سلوكيات خاطئة من التيك توك؟

 


في عصرٍ أصبحت فيه مقاطع الفيديو القصيرة تحكم سلوكيات الأطفال وتشكّل أفكارهم وقيمهم، لم يعد من المبالغة القول إن التيك توك أصبح واحدًا من أقوى المؤثرات في حياة أبنائنا. فالخطر لا يكمن فقط في المشاهد التي تُعرض، بل في ما يترسخ في ذهن الطفل حين يقلد حركات أو عبارات أو تحديات لا يدرك أضرارها.

لم يعد المشهد نادرًا عندما يفاجأ الأب أو الأم بابنهم يردد كلمات غريبة، أو ينفذ حركات خطرة، أو يسخر من الآخرين بأسلوب مستنسخ من مقاطع منشورة على التيك توك. هذه السلوكيات لا تقتصر على كونها مقلقة، بل قد تتحول إلى بوابة لانهيار منظومة الأخلاق والانضباط، خاصة إذا غابت المتابعة من الوالدين.

إن التعامل مع هذه الظاهرة لم يعد خيارًا تربويًا، بل ضرورة ملحّة، تتطلب فهماً عميقًا لنفسية الطفل، وإدراكًا لتأثير المنصات الرقمية عليه، ووعيًا بأفضل الأساليب لحماية الأبناء دون الدخول في صراعات معهم أو فرض حواجز يصعب الاستمرار فيها والتي قد تؤثر على نفسية الطفل وشخصيته فيما بعد.

كيف تتعامل مع الطفل الذي يقلد سلوكيات خاطئة من التيك توك؟

لماذا يقلد الطفل محتوى التيك توك الخاطئ؟

سلوك التقليد جزء من التطور الطبيعي لشخصية الطفل

الطفل في سنواته الأولى يتعلم من خلال التقليد. يكرر ما يسمعه وما يراه، ويعتبر ذلك وسيلة لفهم العالم من حوله. لكن حين يكون المحتوى الذي يتعرض له غير مناسب، فإن هذا التقليد يتحول إلى مصدر خطر.

فمثلاً:

إذا ولدك شاف مقطع واحد يسوي حركة خطرة وقفز من سطح. لا تقول له "عيب وش التخلف ذا؟"، لكن قل: "يا وليدي، ليه سويت كذا؟ وش اللي أعجبك فيه؟ تتوقع لو أحد حاول يقلد هذا ممكن يتأذى؟"

الانبهار بالمؤثرين والمشاهير

المؤثرون على التيك توك غالبًا ما يظهرون بأسلوب جذاب وساخر، يجمع بين الموسيقى، الإيقاع السريع، والمبالغة في ردات الفعل. فالطفل ينجذب لذلك، فيقلد ما يعجبه دون إدراك لما هو مناسب أو غير مناسب.

التأثر بالأصدقاء

في بيئة يشارك فيها الأصدقاء التحديات والمقاطع، يشعر الطفل أنه خارج "المجموعة" إذا لم يكن جزءًا منها. وبالتالي، يبدأ في تقليد ما يفعله الآخرون.

البحث عن الاهتمام أو إثبات الذات

أحيانًا يلجأ الطفل إلى تقليد سلوكيات ملفتة لجذب الانتباه، سواء من والديه أو زملائه. وفي ظل تجاهل الأهل أو غياب التقدير، تصبح هذه السلوكيات وسيلة لفرض الحضور.

كيف تتعامل مع الطفل الذي يقلد سلوكيات خاطئة؟

لا تبدأ بالعقاب بل بالفهم

من الطبيعي أن يشعر الوالدان بالصدمة أو الغضب حين يلاحظان تصرفًا مقلقًا، لكن الاستجابة الفورية بالعقوبة أو التوبيخ لن تؤدي إلى نتيجة. بل قد تزيد من عناد الطفل أو تدفعه لإخفاء سلوكياته لاحقًا. والأفضل أن يبدأ الوالدان التعامل بمحاولة فهم السبب: لماذا قلّد هذا المقطع تحديدًا؟ ما الذي لفت انتباهه؟ ما الذي فهمه من السلوك؟ هذه الأسئلة تفتح مجالًا للحوار وتساعد الأهل على تقييم دوافع الطفل دون إصدار أحكام عليه.

وش ممكن تقول له بهذه الحاله؟:

– "وش رايك باللي سواه ذا؟ تحسّه تصرف كويس؟"
– "لو واحد صغير شافك وسوا مثلك، تتوقع بيصير له شي؟"
– "تصدق فيه ناس فقدوا حياتهم بسبب التحدي ذا؟ تتوقع يستاهل؟"
– "ليه ما تسوي شي أحسن من كذا يميزك عنهم؟"

كيف تراقب استخدام الطفل للتطبيقات دون صدام؟

الحظر الكامل للتطبيق قد يبدو حلًا سريعًا لكنه غالبًا ما يكون غير مجدٍ. فالطفل سيبحث عن وسائل بديلة للدخول، وقد يشعر بأن هناك فجوة ثقة بينه وبين والديه.

فمثلا ممكن نقول للطفل كالتالي بهالحاله:

– "وش رايك نتفق على وقت محدد تشوف فيه التيك توك؟ وبعده نلعب سوا أو نروح نتمشى شوي؟"
– "أنا أبي أشوف المقاطع اللي تضحكك، علمني على كم واحد منهم!"
– "وش رايك تجرب تسوي محتوى خاص فيك عن شي مفيد تحبه؟ حتى لو تجربة علمية أو رسم."

تنمية التفكير النقدي لدى الطفل

بدل أن نظل نحذر الطفل من كل مقطع، علينا أن نعلّمه كيف يُفكر. كيف يُقيم المحتوى، ويميز بين المفيد والمضلل، وبين الحقيقة والتمثيل.

فمثلا ممكن نقول:

– "تحس اللي بالمقطع ذا صادق، ولا كأنه يمثل؟"
– "تتوقع كم واحد قلد ذا التحدي وانتهى به الحال بالمستشفى؟"
– "وش تظن هدفه؟ يبغاك تستفيد؟ ولا بس يبي مشاهدات؟"
– "وش ممكن يصير لو واحد ضعيف حاول يقلده؟"

القدوة تبدأ من البيت

الأطفال يتأثرون بما يرونه أكثر من أي نصيحة يسمعونها. فإذا كنت كوالد تستخدم الهاتف طوال الوقت، أو تضحك على مقاطع تافهة، فإن رسالتك ستكون متناقضة مهما حاولت أن تنصح.

مثلا بهالحاله نقدر نقول:

– "شفت كيف إحنا ما نضحك على المقاطع اللي فيها تنمّر؟ لأننا نبي نحترم الناس."
– "أنا تابعت فيديو مره مفيد عن التوفير، خلني أرسله لك."
– "أنا ما أتابع إلا ناس أطلع منهم بفائدة، تبي تشوف معي؟"

خطوات عملية يمكن البدء بها فوراً لحل هذه المشكلة

  1. إعادة ضبط خوارزمية التيك توك عبر التفاعل مع مقاطع تعليمية أو مفيدة.
  2. مشاهدة بعض المقاطع معه ومناقشتها بلغة هادئة، دون إصدار أحكام.
  3. تشجيعه على التفكير في إنتاج محتوى خاص به، يعبر عن أفكاره وقيمه.
  4. تنظيم جدول يومي يشمل أنشطة غير رقمية: مثل القراءة، الرسم، الرياضة، واللعب الجماعي.
  5. استخدام القصص الواقعية عن مخاطر التقليد الأعمى كمادة للنقاش.
  6. توجيه الطفل لاكتشاف قدراته الحقيقية خارج العالم الافتراضي.
  7. إشراك الطفل في وضع القواعد، لتكون العلاقة مبنية على الحوار لا التسلط.

وتقدر تتناقش مع طفلك بهالجمل:

– "تعال نختار سوا مؤثرين محتواهم نظيف ونستفيد منه."
– "وش رايك نخترع تحدي خاص فينا بس، نضحك فيه بدون ما نضر أحد؟"
– "بدل ما نعيد نفس المقاطع، وش رايك نصور شي من يومياتك الممتعة؟"
– "خلني أعلمك كيف تغير المحتوى اللي يطلع لك، علشان ما يجيك مقاطع بايخة."

ماذا لو وصل التقليد إلى مرحلة الخطر؟

في حال أصبح السلوك خطرًا أو تكرر رغم التنبيهات، هنا يجب أن يكون التدخل أكثر وضوحًا.

ونقدر وقتها نوجه كلامنا للطفل بهالطريقة:

– "أنا ما راح أصرخ عليك، بس اللي سويته خطير مرة، تتوقع لو أحد جربه ممكن يموت؟"
– "نوقف التيك توك مؤقت لأن لازم نراجع وش تعلمت منه، وإذا صرت مستعد نرجع له سوا بشروط واضحة."
– "وش تحس لما تشوف نفسك تقلد شي غلط؟ أنا أعرفك أذكى من كذا، علشان كذا لازم نوقف شوي ونتفاهم."

كيف نجعل الطفل واعيًا في عصر المحتوى السريع؟

الطفل الواعي لا يُخلق، بل يُبنى عبر سنوات من التربية المتوازنة. ولكي نصنع هذا النموذج من الأبناء، نحتاج إلى:

  • تخصيص وقت فعلي للتفاعل مع الطفل يوميًا.

  • توفير مساحة آمنة للتعبير عن آرائه دون خوف.

  • تعليمه كيف يقيّم ما يشاهده.

  • مشاركته في البحث عن محتوى إيجابي.

  • دعمه إذا قرر التوقف عن تقليد محتوى معين دون التقليل من شأنه.

وقتها نقدر نخاطب الطفل كالتالي:

– "أنا فخور فيك يوم قلت لي إنك ما تحب المقاطع اللي فيها استهزاء، هذا يدل إنك فاهم."
– "وش رايك تشرح لي وش تعلمت اليوم؟ ترى يعجبني تفكيرك."
– "كل مرة تختار شي مفيد تتفرج عليه، تراها نقطة لك، وهذا اللي يخليني أثق فيك أكثر."

وختاماً، ما نحتاج إليه اليوم هو تربية تقوم على الحضور لا الغياب، وعلى الفهم لا التسلط. فالمحتوى الخاطئ لن يتوقف، والمنصات لن تختفي، لكن الطفل الواعي هو من يعرف كيف يختار، وكيف يقول "لا" لما لا يناسبه. حين ندرب أبناءنا على التفكير، ونمنحهم الاهتمام الحقيقي، ونعاملهم باحترام، فإن تأثير التيك توك وكل ما يشبهه يصبح محدودًا، لأننا نكون قد منحناهم الحصانة النفسية التي تحميهم في غيابنا، لا في وجودنا فقط.



تعليقات