تسير الحياة الزوجية على خيوط دقيقة من التفاهم والمودة، ويظل الحوار المتبادل هو العمود الفقري الذي يُحافظ على توازن العلاقة. غير أن هذا الحوار قد يتحول أحيانًا إلى ساحة مشحونة إذا دخلت الزوجة في دائرة الجدل المستمر، فتُناقش كل تفاصيل الحياة، من الأمور الكبيرة حتى الصغيرة منها، بطريقة تثير التوتر بدلًا من التقارب. والزوج في هذه الحالة قد يشعر بأنه محاصر نفسيًا، وكأن عليه أن يبرر كل خطوة أو قرار، مهما كان بسيطًا. وتُعدّ هذه الحالة من التحديات المعقدة التي تتطلب من الزوج الكثير من الحنكة والمرونة، لا المواجهة المباشرة أو التجاهل المطلق. وبدوره يتناول هذا المقال كيفية التعامل مع الزوجة كثيرة الجدل بأسلوب واقعي.
أسباب كثرة الجدال عند الزوجة
ليست كل امرأة كثيرة الجدل شخصية عنيدة أو تسعى إلى التصادم، بل في أحيان كثيرة يكون الجدال وسيلتها غير الواعية للتعبير عن ضيقها، أو رغبتها في الشعور بالتقدير والمشاركة.
بعض النساء نشأن في بيوت يكثر فيها النقد، فيتعلمن التفاعل مع الأمور من هذا المنطلق. وأخريات قد يشعرن أن زوجهن لا يمنحهن اهتمامًا كافيًا، فتكون المجادلة مدخلًا للفت انتباهه أو فرض حضورهن في قرارات الحياة.
وهذا ما يحتم على الزوج أن يضع هذه الدوافع في الحسبان قبل أن يرد أو يُشعل نار الجدال بردود قاسية، فالفهم يسبق الإصلاح، والرحمة تسبق العتاب.
فمثلاً:
وقت الزوجة تقول بانفعال: "يعني بالله وش يضرك لو قلت لي إنك طالع؟ تطلع كذا بدون لا تعلمني؟ أنا زوجتك ولا صرت غريبة؟"
هنا يرد الزوج بابتسامة هادئة: "يا أم فلان، لا تقولين كذا، والله ما كان قصدي أزعلك. بس شفتك نايمة، وقلت ما ودي أزعجك. إن شاء الله من اليوم وطالع، حتى لو بطلع للبقالة، أقولك أول."
أهم النصائح للتعامل مع الزوجة كثيرة الجدال
التحكم في الأعصاب أثناء الجدال
غالبًا ما يبدأ الجدل بسبب نبرة صوت حادة أو توقيت غير مناسب. وهنا يأتي دور الزوج في كبح انفعاله، لأن الرد العصبي يغلق كل أبواب الفهم. الزوج الذي يتمكن من الرد بنبرة هادئة حتى وهو في قمة التعب، يُكسب نفسه راحة داخلية ويحفظ العلاقة من التدهور.
فمثلاً:
لما الزوجة تقول بصوت غاضب: "يعني ما يكفي إنك تأخرت، بعد جاي تضحك وكأنك ما سويت شيء؟! دايم كذا، ما تحس بالمسؤولية!"
هنا الزوج يلتزم الصمت، وينظر إليها بهدوء دون رد، ثم يدخل الغرفة ويبدل ملابسه. بعد ساعة، لما تهدأ الأجواء، يجلس معها ويقول:
"شوفي يا أم فلان، أنا ما سكت لأني ما أقدّر كلامك، بس كنت تعبان وما ودي أزيد الطين بلة. وأنا مقدّر زعلك، ومالي غنى عنك، بس خلينا نحل الأمور بهدوء بدل ما نجرّح بعض بالكلام."
الصمت أحياناً أبلغ من الرد
في بعض الحالات، يكون الصمت المؤقت أكثر فاعلية من الكلام، خصوصًا إذا كانت الزوجة غاضبة جدًا أو تُكرر نفس النقطة عدة مرات. الاستمرار في الرد لن يزيد النقاش إلا اشتعالًا، بينما الصمت الهادئ يعطي الطرف الآخر فرصة لإعادة التفكير. ولكن لا يجب أن يكون هذا الصمت دائمًا أو مصحوبًا بالبرود، بل يجب أن يتبعه حوار لاحق بعد أن تهدأ النفوس.
فمثلاً:
وقت الزوجة تقول: "كل مرّة تطلع بدون ما تسألني، ولا كأني موجودة!"
فيرد الزوج ل بهدوء: "أنا آسف إذا حسّيتي كذا، ترى والله ما قصدت أزعلك، بس خلينا نتفاهم بهدوء، أنتي غالية عليّ ولا أرضى تزعلين."
الدعابة لتخفيف حدة الجدال
ليس كل نقاش يجب أن يُؤخذ بجدية مفرطة. أحيانًا، تكون نكتة بسيطة أو تعليق ساخر بذكاء هو كل ما يلزم لتغيير الجوّ المشحون. الزوجة حين تجد أن زوجها يرد بدعابة دون تهكم، قد تتحول من نبرة غضب إلى ضحكة خفيفة. ولكن يجب أن يكون المزاح في مكانه، وليس في مواقف عميقة أو حساسة.
فمثلاً:
وقت الزوجة تقول بلهجة منزعجة: "يعني صرت أكلم الجدار أحسن! أنا أتكلم معك من الصبح، وإنت مركز بالجوال كأنك لحالك!"
هنا يرد الزوج وهو يضحك ويحط الجوال على الطاولة: "آسف يا أم فلان، بس كنت أدور حل لمشكلتي... طلعت مشكلتي إني ما أسمع كلام زوجتي!"
الحوار الهادئ في الأوقات المناسبة
لا يمكن للزوج أن يترك الأمور تتراكم إلى ما لا نهاية. هناك لحظات تتطلب حوارًا صريحًا وجادًا، لكن بشرط أن يكون في جو هادئ وخالٍ من التوتر. أن يختار الزوج وقتًا بعد العشاء أو في جلسة مريحة ليُوضح لزوجته أثر الجدل المستمر عليه، ويطلب منها بصراحة أن يعملا معًا على تقليل التوتر في البيت.
فمثلاً:
الزوج يقول: "يا أم فلان، تراني أحبك وأقدّرك، بس إذا صار كل شيء في البيت لازم يصير فيه نقاش وجدل، والله إني أتعب، أحس ما عاد فيه راحة. خلينا نعيش ببساطة، مو كل صغيرة نوقف عندها، ترى ما فيه شيء يستاهل زعلنا."
التقدير يقلل من حدة الجدال
المرأة التي تشعر أنها مسموعة ومقدّرة، تقل احتمالية دخولها في نقاشات عقيمة. الزوج الذي يمدح زوجته، ويُثني على جهدها، ويُشعرها بأنها ركن أساسي في حياته، يجعلها أكثر تسامحًا، وأقل ميلًا للاعتراض المتكرر.
فمثلاً:
يقول الزوج: "تدرين أمس لما سويتي العشاء، تذكرت أيام أمي رحمها الله، نفس الطعم ونفس الروح، والله إنك ما قصرتي."
فترد الزوجة بلطف: "الله يسعدك، ما يهمني التعب دامك مبسوط."
الحزم عند تجاوز الحدود
الحكمة لا تعني الضعف، ولا تعني ترك الأمور تسير بلا ضوابط. في بعض الأحيان، يضطر الزوج لأن يضع حدًا واضحًا للجدال إذا تجاوز الخطوط، سواء بالإساءة، أو بالتأثير على الأبناء، أو بنشر طاقة سلبية مستمرة في المنزل. لكن عليه أن يفعل ذلك بأدب ووقار.
فمثلاً:
الزوج يقول بهالحاله: "أنا ساكت مو لأني ضعيف، لكن لأني أحبك وأبي بيتنا يظل هادي. بس إذا استمرينا كل يوم على نفس الجدال، ترى هذا بيتعبنا. نحترم بعض ونعيش براحة، ولاّ وش الفايدة من العلاقة إذا كل شيء فيها تصادم؟"
طلب المساعدة عند الحاجة
إذا وصلت الأمور إلى طريق مسدود، وشعر الزوج أن لا جدوى من المحاولات الفردية، فقد يكون من الحكمة اللجوء إلى مستشار أسري. فشخص مختص يمكنه أن يسمع الطرفين بحيادية ويوجههم نحو حلول واقعية. وهذا لا يُعد فشلًا، بل وعيًا بأن بعض الأمور تحتاج نظرة خارجية موضوعية.
تأثير الجدال المستمر على الأبناء داخل البيت
لا يقف أثر الجدال بين الزوجين عند حدود العلاقة بينهما فحسب، بل يمتد ليصل إلى أعمق نقطة في الأسرة: الأبناء. فالطفل الذي ينشأ في بيئة يغلب عليها التوتر اللفظي والمشاحنات اليومية، لا يسمع فقط ما يُقال، بل يعيش في ظل مشاعر مشحونة تنعكس على تكوينه النفسي وسلوكه الاجتماعي. قد لا يُظهر الطفل في البداية أي ردة فعل ظاهرة، لكنه في داخله يُسجّل كل انفعال، وكل نبرة غضب، وكل كلمة لوم تُقال بين والديه، فيتكوّن لديه شعور بعدم الأمان داخل المساحة التي من المفترض أن تكون الأكثر دفئًا وأمانًا.
الجدال المتكرر يُشعر الأبناء أن العلاقة بين الأم والأب غير مستقرة، وأن الحب داخل البيت مشروط أو هش. ومع الوقت، يبدأ بعض الأطفال في تقليد هذا السلوك مع إخوانهم أو زملائهم، فيصبح الجدل هو الطريقة التي يعرفون بها كيف يعبّرون عن آرائهم. آخرون قد ينسحبون اجتماعيًا أو يعانون من التشتت الدراسي، لأن أذهانهم منشغلة بمخاوف داخلية لا يستطيعون التعبير عنها.
وما هو أخطر من ذلك، أن استمرار الجدال يُضعف صورة الوالدين في نظر الأبناء. فيبدأ الطفل ينظر لأمه كمنفعل دائم، أو لأبيه كمتهرّب أو متسلّط، وتختلّ بذلك العلاقة التربوية القائمة على القدوة والثقة. لهذا، فإن الزوجين – وخاصة في ظل وجود أطفال – لا يتجادلان لأن بينهما خلافًا فحسب، بل لأن ما يقولانه سيصوغ وعي أبنائهم عن الحياة، والحوار، والحب، وحتى الزواج في المستقبل.
فكيف يتصرف الزوج بهالحاله؟
مثلاً:
وقت الابن يدخل على والديه وهما في نقاش حاد، فيلتفت لوالده ويقول بتردد: "بابا... إنت وأمي دايم تصارخون، يعني ما تحبون بعض؟"
فيرد الأب سريعًا وهو يُربّت على كتف ابنه: "لا يا حبيبي، أنا وأمك نحب بعض، بس أحيانًا نختلف، مثل ما إنت تختلف مع أخوك، بس نرجع نحب بعض أكثر."
ثم يلتفت لزوجته بعد خروج الإبن ويقوللها بهدوء: "دام عيالنا صاروا يحسون، خلينا نخلي نقاشاتنا بوقت ثاني، قدّامهم ما نبي إلا الطيب."
بهذا السلوك، يتحول الوعي إلى ممارسة، ويشعر الطفل أن خلافات الكبار لا تعني نهاية الحب، بل يمكن إدارتها بعقل دون أن تكسّر الأمان في البيت.
وختاماً، فكثرة الجدل لا تعني فشل العلاقة، ولكنها إن تُركت دون ضبط قد تُفسد الود وتُضعف الترابط. الزوج العاقل هو من يُدرك أن الحل لا يكون بالصراخ أو الانسحاب، بل بالتوازن بين الصبر والحزم، بين المزاح والحوار، بين الاحتواء والتوجيه. وحين يُمارس هذه المعادلة بإخلاص، تتحول الجدالات من شرارة للخلاف إلى جسر للتقارب، وتبقى العلاقة قائمة على الاحترام والحب الحقيقي، لا على الانتصار في كل نقاش.
تعليقات
إرسال تعليق